قرار المحكمة الجنائية- هل يوقف العدوان الإسرائيلي أم يؤجج الصراع؟

المؤلف: محمد مفتي11.03.2025
قرار المحكمة الجنائية- هل يوقف العدوان الإسرائيلي أم يؤجج الصراع؟

ربما لا يثير الدهشة صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرة توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه السابق، جراء ما ارتكبوه من فظائع، فالأمر كان متوقعاً، بل لعله تأخر كثيراً، فمنذ ما يربو على العام والآلة العسكرية الإسرائيلية الغاشمة تعيث في الأرض خراباً، وتزهق أرواح المدنيين العزل من النساء والأطفال والشيوخ في الأراضي الفلسطينية المحتلة ولبنان بضراوة، مدمرة البنى التحتية الحيوية والمرافق الأساسية و سبل الحياة بأجمعها دون أدنى اكتراث، غير مبالية بأعداد الضحايا الأبرياء التي تجاوزت عشرات الآلاف، في استهتار صارخ بالمجتمع الدولي وهيئاته، الأمر الذي أثار استياءً شديداً بسبب هذه الممارسات العدوانية المتكررة.

لا ريب أن التاريخ سيسجل بأحرف سوداء الموقف المخزي والمتخاذل لعدد من الدول، بما في ذلك الدول العظمى، التي آزرت إسرائيل ودعمتها على كافة الأصعدة، سواء بالسلاح أو الدعم المالي أو المعلومات الاستخباراتية أو المساندة الدبلوماسية، فبمجرد إعلان هذا القرار الصادر عن المحكمة الدولية، التي وقعت على نظامها الأساسي 124 دولة حول العالم، بادرت بعض الدول بإعلان استنكارها ورفضها التام له، والتشكيك بوقاحة في مدى صحته، في خطوة تعكس بجلاء تحدياً صارخاً لقرارات واحدة من أهم المؤسسات القضائية الدولية، وتكريساً جلياً لمبدأ ازدواجية المعايير الذي تنتهجه هذه الدول في التعامل مع حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة.

لم تكترث إسرائيل، ولا أعتقد أنها ستكترث، لصدور مثل هذا القرار، فهي تدرك أن تأثيره سيتلاشى مع مرور الزمن، وما أن صدر القرار حتى أعلنت إسرائيل عن تحديها السافر له، واستأنفت آلتها العسكرية ارتكاب المزيد من الفظائع والجرائم الوحشية، فهي على ثقة تامة بأن حليفتها القوية، الولايات المتحدة الأمريكية، ستعمل جاهدة على إجهاض أي قرار في مجلس الأمن يدين إسرائيل أو حتى ممثليها، كما أن اللوبي الصهيوني المتنفذ يخترق أروقة السياسة في العديد من الدول الغربية، ولذا جاء رد فعل بعض الدول الغربية، الموقعة على ميثاق المحكمة، باهتاً ومتناقضاً، ففي الوقت الذي أكدت فيه تلك الدول احترامها الظاهري لقرار المحكمة الجنائية الدولية، نجدها، وفي نفس السياق، تشدد على أن ما قامت به إسرائيل كان يهدف إلى الدفاع عن نفسها.

منذ نشأة الكيان الإسرائيلي عام 1948، بل وقبل ذلك التاريخ المشؤوم، كانت القوات الإسرائيلية تعيث فساداً وخراباً في الأراضي العربية المحتلة، قتلاً وتدميراً ممنهجاً، دون أن تفكر للحظة في العواقب الوخيمة لأفعالها الشنيعة، فبعد مجزرة جنين المروعة التي حدثت في العام 2002، قام ثلة من الكتاب والمفكرين الغربيين بزيارة موقع الجريمة، ومن بينهم الصحفي الإسباني الشهير «خوان غويتسولو»، الذي صرح قائلاً: «أستطيع أن أعدد دولاً تمارس الإرهاب، وإسرائيل إحدى هذه الدول»، كما أكد على أنه لا ينبغي المساواة بين الجلاد والضحية، بين القوة الغاشمة المحتلة والشعب المقهور الذي يرزح تحت نير الاحتلال ويقاومه بكل ما أوتي من قوة.

ربما يكمن أحد الأسباب الرئيسية لرفض بعض المسؤولين الغربيين إدانة قرار المحكمة الجنائية الدولية في أن مثل هذا القرار سيفتح الباب واسعاً لمحاكمة المسؤولين في الدول التي ساندت إسرائيل في تلك المجازر البشعة، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى الرغم من أنها ليست طرفاً في الاتفاقية الدولية، إلا أنه يجب على الأقل مساءلتها والنظر في السبل الكفيلة بدفعها إلى التوقف عن دعم إسرائيل بهذا الشكل المستفز والمخالف لكافة الأعراف والمواثيق الدولية، وكما تقوم الولايات المتحدة بفرض العقوبات القاسية على الأفراد والمؤسسات والدول التي تعتبرها تهديداً للسلم والأمن الدوليين أو خارجة عن النظام العالمي، يجب أيضاً فرض عقوبات مماثلة على المسؤولين الأمريكيين الذين يعتبر دعمهم لإسرائيل جريمة شنعاء تسببت في إبادة جماعية لشعب بأكمله، وتعريض أبنائه للقتل والإصابات الخطيرة والأمراض الفتاكة، فضلاً عن تدمير البنى التحتية الحيوية التي يعيشون عليها وحرمانهم من أبسط مقومات الحياة الكريمة.

لا جدال في أن قرار اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي قد يفضي إلى تداعيات خطيرة على مختلف الأصعدة، فطائرة رئيس الوزراء الإسرائيلي قد لا تتمكن من التحليق بأمان لدى عبورها أجواء الدول الموقعة على الاتفاقية، فقد يتم إجبارها على الهبوط لاعتقال مجرم حرب دولي، أو على الأقل قد يتم منعها من استخدام المجال الجوي للدول الموقعة على الاتفاقية، الأمر الذي قد يدخل العالم في أزمات جديدة متفاقمة، خاصة مع تصاعد التوتر العالمي الذي يهدد بالتحول إلى حرب عالمية ثالثة في غمضة عين، وهو ما يؤكد لنا أنه أينما حلت إسرائيل حلت معها الفتن والنزاعات والصراعات، فهي لا تنفك تهدد الأمن والسلم العالميين، وتتحدى القيم والمبادئ الدولية المتعارف عليها، وتستمر في غيها وعدوانها لأنها تعتبر نفسها فوق القانون والمحاسبة والمساءلة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة